Wednesday, July 31, 2013

كانتور و كوهن: محققيّ اللانهايه - الجزء الأول

جورج كانتور
بقلم: ريتشار إلوس
ترجمه : زهره آل ناصر



كانتور: صانع لعبة اللانهاية

كان جورج كانتور منطقي ألماني الذي- في نهاية القرن 19- حقق الإنجاز الذي حلم به العلماء و الفلاسفة و المتكلمين و هو التحليل المفصل للانهاية. بالنسبه لكانتور شخصياً, كانت نتائج هذا النصر غير سعيدة. مع عدم قدرته على حل أحد الأسئلة التي فتحها عمله – المعروف بفرضية الإستمرارية - أصبح كانتور موسوس و بائس مع فشله . بالإضافة إلى مأساته الشخصية- موت إبنه- و الإهانة العلنية من رفض عمله و وصفه بأنه: " مائه عام قريبه جداً" , قضى كانتور آخر سنوات عمره في الدخول و الخروج من المصحات.

كان إكتشاف كانتور بأنه ليس هناك لانهاية واحدة فقط, لكن تسلسل لاينتهي أبداً منها و كل نهاية أكبر من السابقة. إنها فكرة ملتوية ولكن كان المدخل إلى عالمه الغريب – للمفاجأة- مفهوم سهل و مألوف.

إفترض أن لديك مجموعتين من الأشياء, سمهما المجموعة  A والمجموعة  B . كيف يمكنك أن تعرف أيهما أكبر أو أنهما من نفس الحجم؟ طبعاً يمكنك عد جميع الأشياءفي  A  ثم عد جميع الأشياء في B و مقارنة العددين. لكن يمكن أن يكون من الأسهل – لتجنب خطأ فقدان أي عدد- محاولة مطابقة عناصر المجموعتين: إربط كل عنصر من A مع عنصر من B إلى أن تنتهي عناصر إحدى المجموعتين. المجموعات التي يمكن مطابقة جميع عناصرها كلياُ فهي من نفس الحجم و المجموعات التي لايمكن مطابقة جميع عناصرها فهي مختلفه الحجم . هذه الفكرة يمكن بصعوبه تبسيطها لكن في يدي كانتور أنتجت إكتشافاً مذهلاً: لقد أثبت أن بعض المجموعات اللانهائية لايمكن مطابقتها مع أي مجموعة أخرى لذلك يجب علينا على الفور أن نستنتج أن هناك مستويات مختلفة من اللانهاية و بعضها أكبر من الأخرى. ( يمكنك إيجاد المزيد من نتائج هذه الفكرة في الجزء الثاني من هذه المقالة فرضية الإستمرارية). 

المجموعات
 
عندما نشر كانتور نتائجه عن اللانهاية – موضوعه الجديد في نظرية المجموعات- جذب بذلك الإثاره و التشكيك في قياس المساواة. من خلال عمله و عمل هنري لوبيج Henri Lebesgue فإنه سرعان ماأصبحت من المواضيع السائدة مثل التحليل و الهندسة. و لكن في نفس الوقت، فإن الإعتقاد بوجود مستويات مختلفة من اللانهاية يبدو لبعض الناس مخالف للفطرة البشرية. حتى أن كانتور نفسه قال واحد من أكثر نتائجه غير البديهية: " أرى ذلك و لكني لا أصدقه". ربما لذلك من المفهوم أن الكثيرين في المجتمع الرياضي كانوا مترددين في قبول هذه الأفكار الغريبة الجديدة.

أحد المشككين الرئيسيين هو ليوبولد كرونكر Leopold Kronecker المتزمت الذي يعتقد أن الرياضيات الحقيقية هي فقط التي يمكن الوصول إليها من الأعداد الكاملة في عدد محدود من الخطوات. و بالنسبه لكرونكر، البقيه كلها فانتازيا و خيال. وقد تلخص موقفه هذا في قوله: " خلق الله الأعداد و كل شئ آخر هو من عمل الإنسان". بالنسبة له، لعب عمل كانتور أبعد مايكون و بحريه كبيره مع المفاهيم التي جاءت من لامكان. في حين أن كانتور عمم النظرية لتتواءم مع نظريات المجموعات ، سيثق كرونكر فقط في المطابقة بين مجموعات معينة فقط و التي يستطيع فهمها و كتابتها. وقد ذهب كرونكر بعيداً في إتهامه لكانتور بأنه : "دجّال العلمية" و " المفسد للشباب" . وكان أحد الرياضيين الرئيسيين المؤثرين في معارضه عمله . حتى ان صديق كانتور ماغنوس ميتاغ لفلر Magnus Mittag-Leffler رئيس تحرير مجلة الرياضيات أكتا المرموقة Acta Mathematica أقنعه بالتخلي عن نشر عمله على أساس أنها : " مئه عام من الرياضيات قريبة جداً" .

التناقضات و المسلمات

كان الآخرين أكثر تقبلاً لأفكار كانتور. بالإستلهام منه ، إعتقد المنطقيان جوتلوب فريجه Gottlob Frege و برتراند راسل Bertrand  Russell بأن كل الرياضيات يمكن أن تبنى من الأرض بدءاً من المنطق و نظرية المجموعات فقط.
برتراند راسل
 













في العام 1901م ، كان فريجه على وشك نشر الجزء الثاني من العمل الذي حاول فيه بالضبط القيام بذلك: العمليات الأساسية في الحساب. لكن في اللحظة الأخيرة ، كتب له راسل بالإكتشاف الذي لايهدم فقط عمل فريجه، لكن أيضاً يهدد تحقيق هذا الصرح من نظرية المجموعات بالإنهيار.

المجموعات هي تجمع من الأشياء، و إذا كانت المجموعة X تحتوي على y فإننا نقول أن y هو عنصر في X ، و تكتب $y \in X$  . طبعاً فإن بعض المجموعات عناصر في مجموعات أخرى. فعلى سبيل المثال، مجموعة كلاب الألزاسي هي نفسها عنصر في مجموعة كل سلالات الكلاب. نظرياً، هل يمكن أن تكون بعض المجموعات عناصر في نفسها؟ أعطى رياضيوّا ذلك العصر سبباً لذلك أن مجموعة جميع المجموعات هي مثال على المجموعة التي هي عنصر في ذاتها. متناقضة راسل هي تناقض بسيط قائم على هذه الفكرة:  لتكن X هي تجمع من هذه المجموعات التي ليست عنصر في نفسها. هل X عنصر في نفسها؟ فكر في ذلك! في كلتا الحالتين تحصل على تناقض.

متناقضة راسل لم تكن المتناقضة الأولى التي ظهرت في نظرية المجموعات. في الحقيقة، اكتشف كانتور واحدة بنفسه، فكر في حجم مجموعة المجموعات. لكن متناقضه راسل معروضة بشكل سهل جداً ومثير للإزعاج لأنها تؤدي بشكل حتمي إلى الإستنتاج أنه يوجد شئ خاطئ للغاية في نظرية مجموعات كانتور.

إستمر الفهم المربك لنظرية المجموعات على مدى عقدين من القرن 20 . كان التحدي الرئيسي هو حل متناقضة راسل. حاول عدد من الأشخاص ذلك لكن دون جدوى بدايه بفريجه في محاولة لإصلاح إطروحتة حتى الفيلسوف لوديغ ويتغستين في العام 1923م . حتى راسل نفسه لم يجد وسيلة لذلك، ومع ألفرد نورث وايتهيد Alfred North Whitehead بادرا في محاولة تعيين مالم يتمكن منه فريجه: إستخدام المنطق و نظرية المجموعات لوضع جميع الرياضيات على أساس متين. نشرت ثلاث مجلدات لعملهما مبادئ الرياضيات بين العامين 1910م و 1913م والذي إستعرض المجموعات و المنطق فقط. و قد تطلب ذلك حتى الصفحة 86 في المجلد الثاني للتمهيد للأجزاء الأساسيه لإثبات أن 1+1=2 و التي كانت مصحوبة بالملاحظة " التمهيدية أعلاه مفيدة أحياناً" .

كانت نظرية المجموعات تستوعب المالانهايه في البدايه لكنها تعطي بعض التناقضات
أدرك راسل و وايتهيد أنهما يجب أن يكونا أكثر حذراً حول مايمكن إعتباره " مجموعة" من التعريف البسيط " تجمع من الأشياء" في عصر كانتور. كانت الطريقة لحل متناقضة راسل هو بصياغة تعريف أكثر تقييداً للمجموعة و بذلك تكون الأشياء التي لا معنى لها مثل مجموعة راسل X و مجموعة المجموعات لايسمح لها بأن تعد مجموعة ، و لايسمح بأن تكون المجموعة عنصر في نفسها.

كان الحل الذي توصلوا له هو طبقات مفصلة للمجموعات، حيث تم تعيين مستوى لكل مجموعة، و يسمح لها بإحتواء مجموعات من مستويات أقل فقط. هذا النوع من النظام يعرف بنظرية الأنماط Type Theory . وماإنحدر منها مهم حتى اليوم خصوصاً في علم الحاسوب. لكن إستمر البحث للحصول على أساس أكثر حريه و أقل تقييداً للرياضيات.

وصل الجواب في نهاية المطاف، إستناداً إلى عمل إرنست زرملو Ernest Zermelo . كان زرملو يعمل على نظرية المجموعات منذ بداية القرن، و في العام 1922م إكتشف أبراهام فرانكل Abraham Fraenkel و ثوراف سكولم Thoraf Skolem كيفية وضع لمسة هامة نهائية لعمله. ما وجدوه هو قائمة واضحة من المسلمات التي تحكم سلوك المجموعات المجردة. هذا النظام عرف بـنظام ZF نسبة لزرملو و فرانكلين. نظام ZF هو مثل النظام الإنسيابي المنطقي الذي يكون فيه تجمع الأشياء في الحياة الحقيقية (مثل سلالات الكلاب) لاتتناسب بسهوله جداً (على الأقل من غير تعديلات).

نظام يصف الكون كله من خلال المجموعات المجردة. وهذه المجموعات يمكن أن تكون عناصر في بعضها البعض لكن لم يتم بناؤها من أكثر الأشياء الأساسية. ولأغراض رياضية، كان نظام ZF هو ماكان مطلوب بالضبط: قوي كفاية لدعم عالم كانتور، لكنه ضعيف كفاية لتجنب وحوش التناقضات المنطقية التي أوجدها هو و راسل.

مسلمه الإختيار

الغرض من أنظمة المسلمات مثل نظام ZFC ( أو نظام راسل و وايتهيد) هو وصف جميع الرياضيات، أو على الأقل أغلبها، من عدد صغير من الفرضيات الأساسية. قدّم كتاب مبادئ الرياضيات القالب لبناء الرياضيات من نظام ZF، و هذا الإصدار من نظرية المجموعات يشكل جزءاً أساسياً من كل شئ اليوم: جميع الأعداد و في الواقع جميع مواضيع الرياضيات يمكن بسهولة بناؤها من خلال عالم مجموعات نظري قائم على نظام ZF.
إذن هل أثبت نظام ZF للجميع أن كرونكر و غيره من المتشككين كانوا على خطأ؟ طبعاً يبدو أن لانهاية كانتور وضعت أساس متين أخيراً. لكن في نفس الوقت، كان هناك مشكلة واحدة غامضة باقية.

كان الغرض من العمل على المسلمات هو لجعل الرياضيات دقيقة جداً بحيث تكون وثبات الإيمان و نفحات الإلهام التي تشكل بطبيعة الحال جزءاً من عمل كل رياضي يمكن إثباتها بشكل كامل من هذه القوانين الأساسية. ومع ذلك ، بالرجوع للعام 1904م حدد زرملو المبدأ الذي يستخدمه الرياضيون كثيراً (وحتى من دون وعي) لكنه لايبدو مناسباً تماماً هنا. و بالأخص لعب ذلك دوراً أساسياً في صنع تطابقات كانتور الأولية.

المبدأ هو: إفترض أن لديك تجمع من المجموعات: C,B,A...... إلخ. و تريد إنشاء مجموعة أخرى عن طريق أخذ عنصر واحد من A، وعنصر واحد من B، وعنصر واحد من C، وهكذا. يبدو من الواضح أنه يسمح لك بفعل ذلك. لكن في بعض الأحيان فإنه لاتوجد طريقة واضحة لعزل عنصر معين من C,B,A......إلخ. ربما لاتوجد قائمة واضحة لعناصرها، وطبعاً يمكن أن يكون هناك عدد لانهائي من هذه المجموعات. إذا كان لديك قاعدة يمكنك إستخدامها لإختيار عنصر من كل مجموعة، فلايوجد مشكلة: بإستخدام قياس راسل، إذا كانت .C,B,A..........إلخ أزواج من الأحذية، فإن نظام ZF يسمح لك بقول :" كوّن مجموعة جديدة عن طريق إختيار الحذاء الأيسر من كل زوج". لكن إذا كانوا أزواج من الجوارب المتطابقة، وإذا كان لديك عدد لانهائي منهم ، فلا يوجد طريقة واضحة لعمل ذلك. على الأقل، ليس من دون مسلمة الإختيار التي تسمح لك دائماً بالقول:" إختر جورب واحد من كل زوج".

إذا كنت تتعامل زوج من الأحذيه، فيمكنك إختيار واحد دائماً. على العكس من ذلك، إذا كنت تتعامل مع الجوارب فأنت في ورطه
باول كوهن: بناء عالم آخر


إذا كان نظام ZF هو حجر الأساس للرياضيات، وكانت مسلمة الإختيار متحققة (كما يعتقد معظم الناس) فإن الإفتراض أنه يمكن إستنتاجها من نظام ZF. أمضى الرياضيون سنوات عدّة في محاولة فعل ذلك بالضبط، لكن دون جدوى. كان ذلك محبطاً: مسلمة الإختيار خاصية بسيطة كفاية و إذا كان نظام ZF بمثابة أساس للرياضيات فإنه ينبغي أن يكون قادراً على حل أسئله الرياضيات الأكثر تعقيداً بواسطة الإشارة إليه. أو كما يعتقد الناس.

بيد أن هذا الأمل تم تعديله في العام 1931م ، عندما قام المنطقي العظيم كورت غودل Kurt Godel بإثبات نظرية عدم الإكتمال الشهيرة incompleteness theorems. و كنتيجة لذلك فإن نظام ZF يمثل نظام غير كامل. و هذا يعني بعد كل ذلك أن نظامZF ليس كافياً ليحل مشكلة كل سؤال محتمل عن المجموعات والأعداد. يبدو ذلك مخيباً للآمال، لكنه ليس فشلاً للنظام ZF: أثبت غودل أنه من المستحيل كتابة أي نظام كامل و في نفس الوقت قوي كفايه لوصف العمليات الحسابية الإعتيادية
باول كوهن
 

في العام 1940م ، أثبت غودل أن مسلمة الإختيار متوافقة مع نظام ZF على الأقل، فهي لاتثير أي تناقضات في النظام. كان إنتصار باول كوهن بإبتكار الجبر forcing ، وهي تقنية قوية لبناء عالم جديد من المجموعات التي تحقق نظام ZF، ولكن التي تحقق شروط إضافية أيضاً. في العام 1962م ، إستخدم كوهن الجبر لبناء عالم جديد يحقق نظام ZF، ولكنه لايحقق مسلمة الإختيار. وهذا هو عكس ماأثبته غودل: هذا يعني أن عدم تحقق مسلمة الإختيار يتوافق مع نظام ZF. و بالنتيجة أثبت كوهن أن مسلمة الإختيار مسلمة مستقلة عن نظام : أنها لافرق في التوافق سواء كانت المسلمة متحققة أو لا.

العالم من دون الإختيار

في هذه الأيام، يختار أكثر الناس إستخدام نظام ZF- أي نظام ZF مضافاً إليه مسلمة الإختيار. ومع ذلك، فإنها لاتزال موضوعاً للدراسة اليوم. تم العثور على معايير كثيرة مثيرة للإهتمام و التي تكون مكافئة منطقياً لها، بما في ذلك بعض الأجزاء القادمة من أجزاء أخرى من الرياضيات جميعها. من وجهة نظر لانهاية كانتور، و احد أهمها هو مبدأ التثليث principle of trichotomy: لأي مجموعتين B,A إما ان تكون A أكبر من B أوB أكبر من A أو أنهما متساويتي الحجم . يبدو ذلك بديهياً، لكن إذا كانت مسلمة الإختيار خاطئة فإنه يمكنك إيجاد مجموعات لانهائية والتي ببساطة لايمكن مقارنتها ببعضها البعض.

بعض الرياضيين يعترض على المسلمة بسبب طبيعتها الغير بنائية فهي تؤكد على وجود مجموعة معينة من دون أن تخبرك كيفية الحصول عليها أو حتى كيف تبدو. من المؤكد أن ليوبولد كرونكر لن يحب بذلك فضلاً عن وجود أسباب أيدولوجية لمعارضتها. ببساطة بعض الناس قد ينجذبون لعالم غريب من دون إختيار، حيث بعض الكائنات الرياضية العادية قد لاتكون موجودة، و تعريفات مختلفة لما يعنية أن يكون" منتهي" يمكن لايكون متطابقاً.
 
وهذا لايعني أن مسلمة الإختيار بذاتها لاتنتج نتائج مثيرة للإهتمام. متناقضة باناخ- تارسكي Banach-Tarski Paradox هي حقيقة مخيفة بأنه يمكنك أخذ كرة ثلاثية الأبعاد و إستخدام مسلمة الإختيار لتقسيمها إلى خمسة أجزاء، ثم عن طريق تدوير و إزاحة الأجزاء يمكنك تجميعهم إلى كرتين جديدتين كل منهما لها نفس حجم الكرة الأصلية. الأشياء الغريبة تحدث أيضاً حتى في العالم مع مسلمة الإختيار.


مصدر المقاله: 
مجله بلس للرياضيات:
  http://plus.maths.org/content/cantor-and-cohen-infinite-investigators-part-i