Monday, December 8, 2014

الكرات الغريبة أو لماذا فضاء البعد الرابع مكان مجنون؟

بقلم: ريتشارد إلوس
نقله إلى العربيه: زهره آل ناصر


المكان الذي نعيش فيه هو بالتحديد ذو ثلاثة أبعاد: أعلى / أسفل، يسار / يمين ، إلى الأمام/ إلى الخلف. هذه هي فقط طرق الإنتقال. لسنوات فكّر العلماء و كتّاب الخيال العلمي في إمكانيات فراغات الأبعاد العليا. كيف سيكون شكل العالم ذي 4 أو 5 أبعاد؟ أو حتى هل سيكون صحيحاً ، كما إقترح البعض، أننا قد سكنا في هذا الفراغ، أن منزلنا ذي 3 أبعاد ليس إلا شريحه خلال عالم الأبعاد العليا تماماً كما أن شريحه خلال مكعب البعد الثالث تنتج مربع في البعد الثاني؟

تماماً كما يمكن إسقاط الأشكال من البعد 3إلى البعد 2 في المستوى، يمكن إسقاط أشكال البعد 4 على البعد3 في الفراغ. هذه الصورة هي إسقاط الكرة الزائدية من البعد4. المنحنيات هي إسقاطات الكرة الزائدية للخطوط المتوازية(أحمر) خطوط الطول (أزرق)وخطوط الطول الزائدية (أخضر).الصورة
Claudio Rocchini  from Wikimedia
تبعاً لكاتب الرعب H.P.Lovecraft لوفكرافت في أوائل القرن العشرين، أن هذه الأبعاد العليا موجوده بالفعل و تعد موطناً لجميع أنواع المخلوقات الشريره. في أسطوره لوفكرافت ، أفظع هذه الكائنات يطلق عليه إسم Yog-Sothoth. و من المثير للإهتمام أنه في المناسبات النادره التي يظهر فيها Yog-Sothoth في عالم الإنسان فإنه يأخذ شكل مجموعه من الكرات قزحيه اللألوان ...مذهل في دلاللاته الخبيثه. كان لدى لوفكرافت بعض الإهتمام بالرياضيات، و في الحقيقه فقد إستخدم بعض الأفكار مثل الهندسيه الزائديه ليقدم بعض الغرابه لقصصه ( كما ناقش توماس هال في آفاق الرياضيات Math Horizons ) لكنه لم يستطع أن يعرف كم كان الحظ في قرار إظهار Yog-Sothoth في هذه الهيئه. الكرات الغريبه حقاً هي المفاتيح لعوالم الأبعاد العليا،و إزداد فهمنا لها بشكل كبير في السنوات الأخيره. خلال السنوات الخمسين الأخيره نمى موضوع التوبولوجيا التفاضليه و كشف عن مدى غرابه هذه الأماكن. 


الأبعاد العليا و الكره الزائديه

هل الأبعاد العليا موجوده؟ تقدم الرياضيات إجابه مؤكده مفاجئه لهذا السؤال. مثلما يمكن وصف المستوى ذي البعدين بواسطه أزواج من الإحداثيات مثل (5،6) مع الإشاره إلى زوج الإحداثيات ، كذلك يمكن وصف فضاء البعد الثالث عن طريق ثلاثيات من الأعداد مثل (3،6،5) . طبعاً يمكن الإستمرار على خط التفكير هذا: الفراغ من البعد الرابع ، بالنسبه للرياضيين، يتم تحديده من مجموعات رباعيه من الأعداد الحقيقه مثل (2،3،6،5). و هذه الطريقه تتوسع للأبعاد العليا. بالطبع فإن هذا لايجيب على سؤال الفيزيائي، ماإذا كانت هذه الأبعاد لها أي وجود مادي مجرد. لكن رياضياً، على الأقل، طالما كنت تعتقد بالأرقام ليس لديك الكثير من الخيارات إلا الإعتقاد بفراغ البعد الرابع أيضاً.
حسن ذلك جيد، لكن كيف يمكن تخيل مثل هذه الأماكن؟ كيف يبدو شكل مخبأ Yog-Sothoth ؟ هذا هو السؤال الأصعب للإجابه ، حيث أن عقولنا ليست غريبه لنرى الفراغات ذات الأبعاد الأكثر من ثلاثه. و لكن مره أخرى، يمكن أن تساعدنا التقنيات الرياضيه، أولاً عن طريق السماح لنا بتعميم الظواهر التي نراها في الفراغات الإعتياديه.

كمثال مهم هو الكره . إذا إخترت موضع على الأرض، ثم وضعت علامه على جميع النقاط التي تبعد 1سم عنها فإن الشكل الذي يظهر هو دائره قطرها 1سم . إذا فعلت نفس الشئ لكن في الفضاء ذي 3 أبعاد فإننا نحصل على كره عاديه. والآن نصل إلى الجزء المثير، لأن نفس الخدعه يمكن أن تعمل في الأربعه أبعاد و تنتج أول كره زائديه hypersphere .

كيف يبدو ذلك؟ حسناً، عندما ننظر إلى الدائره عن قرب فكل مقطع يشبه المستقيم العادي في البعد الأول ( وهكذا فإن الدائره تسمى أيضاً الدائره-1) الفرق بين الدائره و المستقيم أنه عندما ننظر لهما من البعد ، كل شئ ينحني ليتصل مع بعضه و له فقط طول منحني. و بنفس الطريقه كل قطعه من الكره العاديه ( و هذا مايعرف بالكره -2) يشبه القطعه من المستوى في البعد 2. مره أخرى، هذه القطع يتم خياطتها معاً بطريقه لاتترك أي حدود، ولها مساحه منتهيه فقط. حتى الآن يمكن التنبؤ، و لكن نفس الشئ بالضبط صحيح لأول كره زائديه (أو كره-3). كل مساحه تشبه الفراغ من البعد الثالث الإعتيادي. قد نكون نعيش في واحده الآن،لكل مابوسعنا رؤيته. لكن مثلما في أعمامها الأبعاد السفلى، كل شئ ينحني على نفسه بطريقه لاتسطح فراغ البعد الثالث و تنتج شكل من دون حدود و فقط حجم منتهي. بالطبع لانتوقف هنا، الكره الزائديه التاليه (كره-4) هي مثل كل مقطع تشبه فراغ البعد الرابع، و هكذا دواليك في كل بعد.


من الهندسه إلى التبولوجي إلى التوبولوجي التفاضلي
مثل الهندسه ، التوبولوجي هو فرع من الرياضيات الذي يدرس الأشكال. أحد الأسئله الأساسيه عندما نسأل متى يكون شكلين هما في الحقيقه نفسهما؟ و هو لايملك إجابه واحده، إنه يعتمد على هيئه الشكل الذي أنت مهتم به. وبشكل أساسي، إذا كان الشكلين متطابقين لكنهما موضوعين في أماكن مختلفه فإنه لمعظم الأغراض سنعتبرهما على أنهما "نفس الشئ". 

في التوبولوجيي، الدونات و الكأس هما نفس الشئ لأنه يمكن تشكيل أو تحويل أحدهما للآخر 


يملك التوبولوجي مفهوم أوسع للتشابه من الهندسه. هنا، نعتبر الشكلين " نفس الشئ" إذا أمكن سحب أو شد أو ثني أحدهما إلى الآخر. و بذلك ، بالنسبه للتبولوجيين، المثلثات و أشباه المنحرفات و سباعيه الأضلاع ... الخ هي نفس الشئ: كلهم فقط دوائر. من ناحيه أخرى، الشكل 8 هو حقاً شكل مختلف لأن التعريف التبولوجي للتشابه لايشمل القطع أو اللصق في الشكل. و بالتالي 8 لايمكن أبداً سحبه إلى شكل دائره ، كما هو ممنوع القطع. و كذلك الحال مع i حيث أن الجزئين لايمكن إلصاقهما معاً.

إذا كنت مهتماً بأشياء مثل الزوايا، الأطوال، أو المساحات فمن ثم وجهه النظر التوبولوجيه هي الخاطئه. لكن الكثير من البيانات الهامه تبقى على هذا الصعيد: مثال مشهور هو خريطه أنبوب لندن. هنا ليس الطول أو إنحناء الإنبوب بالضبط هو الذي يهم، لكن أشياء مثل ترتيب المحطات و الطرق التي تتقاطع بها الأنابيب المختلفه . هذه الظواهر هي تبولوجيه بطبيعتها و لاتتأثر بالتحويلات التبولوجيه. وهذا أمر مريح لأنه يسمح لأبناء لندن بإستخدام خريطه تخطيطيه مبسطه بدلاً من الخريطه التفصيليه للمدينه بأكملها و تتضمن التوجيهات الدقيقه لجميع مسالك خطوط الأنابيب.

 بعض الأشكال، مثل الحلقه على شكل الدونات، تحتوي على ثقوب. هذه الثقوب ضروريه: لايمكن إزالتها عن طريق الإلتواء و التمدد التوبولوجي. لكن ماهي الأشكال التي لاتحوي ثقوب؟ النظريه الأكثر شهره في التوبولوجي، تخمين بونكاريه Poincaré conjecture تقدم إجابه أنيقه على هذا السؤال : إنه يقول أن الشكل الوحيد هو الكره. هذا غير صحيح من وجهه النظر الهندسيه، مثل المكعب و الهرم و السداسي. و العديد من الأشكال الأخرى و التي جميعها لاتحتوي على ثقوب. لكن ، بالطبع، بالنسبه للتبولوجيين كل هذه الأشكال المثيره لاتمثل أكثر من كره.

عرفنا منذ العام 2002 أن تخمين بونكاريه هو في الحقيقه صحيح. سؤال هنري بونكاريه الأصلي يتعلق بالكره-3 ( ذي البعد3) لكن في الواقع نفس الش ينطبق بالضبط على الأبعاد العليا أيضاً. على الرغم من ذلك، في العام 1956 وصل الدليل الأول أن هناك تغيراً طفيفاً في وجهه النظر سيجعل القصه أكثر تعقيداً بشكل كبير. عندما نقترب من خلال الموضوع الجديد التوبولوجيا التفاضليه، تبدأ فراغات الأبعاد العليا بالكشف عن بعض أسرارها غير العاديه .


 الثغرات و المنعطفات و الزوايا

الفرق بين التوبولوجي المستوي plane topology و التوبولوجي التفاضلي differential topology يبدو دقيقاً للغايه لكن إتضح أن له نتائج مدهشه. يتوقف ذلك على نوع الإنسحاب و الإلتواء اللذان يسمح بهما خلال عمليه التشكيل. و لهذا تأثير كبير على الأشكال التي تعتبر " نفس الشئ".

هذه الكسورية تدعى بمجموعة جوليا. متصلة لكنها ليست ملساء في أي مكان.
Julia Set

الإنقسام من العمليات التي هي بين المتصله بمعنى أنها لاتقفز أو تنقطع و غيرها ، والأخرى التي هي ملساء. كون العمليه ملساء هو شرط أقوى بكثير من مجرد الإتصال. ينطبق نفس الشئ على تمييز الأشكال نفسها: الدوائر و الكرات هما مثالان على الأشكال الملساء في حين أن المربع و المكعب هما أشكال ليست ملساء بسبب حوافها و زواياها الحاده. كلها متصله و لكن لأن هذه الحواف ليس لديها ثغرات أو قفزات. ( الخط المنقطع هو الخط الذي يأتي في قطعتين منفصتين). حتى أن هناك أنماط كسوريه و التي هي متصله في كل مكان لكنها ليست ملساء في أي مكان.

بنفس الطريقه، يمكننا أن نميز بين التشكيل الذي هو أملس فعلاً و الذي هو متصل فقط . و لكن ربما يكون متقلب و مشوه. إنها ليست واضحه على الإطلاق على الرغم من ذلك هذا التمييز يجب أن يكون مهماً كثيراً. أيكون من الممكن حقاً أن شكلين ( يطلق عليهما مانيفولداتmanifolds بلغه التوبولوجيين) متشابهين من وجهه النظر التوبولوجيه ( من الناحيه التقنيه، متشاكلينhomeomorphic ) لكنهما ليسا نفس الشئ من الناحيه التفاضليه ( ليسا دفيومورفيكdiffeomorphic )؟ و بكلام آخر ، هل يمكننا أن نحصل على شكلين يمكن تشكيلهما إلى بعضهما البعض من غير قطع لكن هذا التحول لا يمكن أن يكون أملس، إنها تحتاج هزّات و قفزات؟ بالتأكيد يصعب تخيل ذلك لأسباب ليست أقلها أنه لم يحدث أبداً في الأبعاد 1، 2، 3.

 الكرات الغريبه
في العام 1956، كان جون ميلنور يدرس المانفوليدات من البعد السابع عندما وجد الشكل الذي يبدو غريباً جداً. من ناحيه، لايحتوي على أي ثقوب و بذلك يبدو مثل الكره. و من ناحيه أخرى، الطريقه التي ينحني بها لاتبدو مثل الكره على الإطلاق. في البدايه، إعتقد ميلنور أنه وجد مثال مناقض لتخمين بونكاريه من البعد السابع: شكل من دون ثقوب و الذي ليس كره. لكن بالتفحص عن قرب، شكله الجديد يمكن تحويله إلى كره ( كما أصر بونكاريه على أن يكون قادراً على ذلك) لكن لايمكن عمل ذلك على نحو سلس. لذلك، حتى لو كانت من الناحيه التوبولوجيه كره، فمن الناحيه التفاضليه ليس كذلك.

 وجد ميلنور أول كره غريبه، وقد ذهب لأبعد من ذلك بالعثور على المزيد في الأبعاد الأخرى. كانت النتيجه في كل حاله كره توبولوجيه لكنها ليست تفاضليه. طريقه أخرى لقول نفس الشئ : أن الكرات الغريبه Exotic spheres تمثل طرق لعرض مفاهيم غير عاديه للمسافه و الإنحناء على الكره العاديه.

في اللأبعاد الأول و الثاني و الثالث ليست هناك كرات غريبه، فقط الكرات العاديه. و ذلك لأن المفاهيم التوبولوجيه و التفاضليه لا تختلف في هذه الفراغات المألوفه. وبالمثل في الفراغات ذات البعد الخامس و السادس يوجد فقط الكرات العاديه، لكن في البعد السابع ، للمفاجأه هناك 28 منهم. وفي اللأبعاد الأعلى فإن العدد يتراوح بين 1 و عدد كبير إختياري .

 الموضوع الذي بقي غامضاً حتى اليوم هو فراغ البعد الرابع. لم يتم العثور على أي من الكرات الغريبه. و في نفس الوقت لم يستطع أحد إثبات عدم إمكانيه وجودها. التأكيد على أنه لاتوجد كرات غريبه في البعد الرابع يعرف بـ تخمين بونكاريه الأملسsmooth Poincaré conjecture . في حاله أن أي شخص وصل لهنا و غير متأكد، فدعني أجعل ذلك واضحاً: تخمين بونكاريه الأملس هو ليس نفسه تخمين بونكاريه ! من بين كل الإختلافات، لقد تم إثبات تخمين بونكاريه، لكن تخمين بونكاريه الأملس بقي بعناد مفتوح حتى اليوم.

 العالم الغريب من الأربعه أبعاد

إذن، هل تخمين بونكاريه الأملس صحيح؟ معظم الرياضيين يميلون إلى إعتباره خاطئ و أنه من المحتمل وجود كرات غريبه من البعد الرابع. و السبب في ذلك أن فراغ البعد الرابع عرف مسبقاً أنه مكان غريب للغايه، حيث أن جميع أنواع الأشياء المفاجئه تحدث. و كمثال أساسي على ذلك هو الإكتشاف في العام 1983 لنوع جديد تماماً من الأشكال في البعد الرابع ، واحد لايمكن جعله أملساً أبداً.

 كما ناقشنا أعلاه ، المربع ليس شكلاً أملس بسبب زواياه الحاده. لكن يمكن جعله أملس. و هذا يعني أنه توبولوجياً مطابق لشكل أملس، يسمى الدائره. في العام 1983، على الرغم من ذلك، إكتشف سايمون دونالدسون Simon Donaldsonفصل جديد من مانفوليدات البعد الرابع و التي لايمكن جعلها ملساء: فهي مملوءه بالمنعطفات و الحواف الحاده بحيث أنه لايمكن بأي طريقه إزالتها كلها. 
و أبعد من ذلك فإن الكره ليست الوحيده التي تأتي بشكل غريب. من المعروف الآن أن فراغ البعد 4 نفسه (أو ) يأتي بأشكال مختلفه. فهناك الفراغ الإعتيادي المنبسط ، ولكن بجانبه الغريب. كلاهما مطابقين توبولوجياً للفراغ الإعتيادي، و لكن ليسوا متطابقين تفاضلياً. و للدهشه كما أثبت كليفورد توبس Cliff Taubesفي العام 1987م ، أن هناك عدد لانهائي من هذه الحقائق البديله. وبهذا الصدد، البعد الرابع هو حقاً عالم لانهائي أغرب من كل مجال آخر: لكل الأبعاد الأخرى ، يوجد فقط شكل واحد من . ربما بعد كل شئ فإن البعد الرابع هو المحيط الرياضي المناسب للعالم الغريب لكتّاب الخيال العلمي.



هذه المقاله ظهرت لأول مره في مجله Plus Magazine بعنوان Exotic spheres, or why 4-dimentional space is a crazy place by Richard Elwes . 
http://plus.maths.org/content/richard-elwes

No comments:

Post a Comment